التحول الحضاري العربي “العودة للأصل”

من المعروف أن الحضارة الإسلامية العربية نشأت في الجزيرة العربية بين مكة المكرمة والمدينة المنورة في الحيز الجغرافي السعودي الحالي وعموما انطلقت هذه الحضارة من جزيرة العرب غير أنه وطوال القرون اللاحقة سيظل مركزها بعيدا متنقلا بين دمشق وبغداد والقاهرة وأماكن أخرى ، حتى سنوات قليلة ظل هذا الوضع من المسلمات غير أن إرهاصات تحول جذري بدأت تلوح في الأفق منذ أحداث الربيع العربي ، لقد ضعفت قدرة مراكز الثقل التقليدية العربية عن تحمل دورها وفي الحقيقة أصبحت تحتاج من ينتشلها من وضعيتها المعقدة ، النور هذه المرة لاح من حيث شوهد أول مرة وإن اختلفت المدن لكن المنطقة الجغرافية لم تتغير ، هناك مركز جديد للحضارة العربية الإسلامية بدأت ملامحه تظهر في الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية .
طوال النصف الثاني من القرن العشرين كان دور الرياض محوريا ومهما في القضايا العربية والإسلامية لكنه لم يكن بذلك الوضوح والتأثير مقارنة بعواصم عربية أخرى ، لن أتحدث عن الأسباب بقدر ما سأتحدث عن الوقائع ، كانت المملكة العربية السعودية بلدا عظيما بمقدرات كبيرة ينتهج سياسة دعم ومؤازرة الأشقاء دون الإهتمام بمن سيتبوأ المراكز الأمامية ، ظلت السياسة السعودية الخارجية وفية لهذا النهج حتى أحداث الربيع العربي التي فرضت عليها أن تتحمل مسؤولياتها التاريخية والقومية وهو ما استدعى تغييرا مهما في تقاليدها السياسية ، كان في صالح المنطقة والعالم أن تتبوأ السعودية مكانها الطبيعي الذي تخلت عنه طوعا في ماسبق ، برزت السعودية الجديدة كقائدة لمحيطها العربي ، هي من تزعم التصدي لمؤامرة الشرق الأوسط الجديد وهي من يتصدى لإيران حيث كبحت جماحها في اليمن وحاصرتها في لبنان وتبذل جهودا مهمة لاستعادة العراق وهي من قام بإقبار الحلم التركي المريض وهي أيضا من يمد يد المساعدة لدول المغرب العربي كلما أمكن ذلك، لقد أصبح الدور السعودي القيادي واضحا وقد تزامن مع فترة صعود منذ تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد السلطة وظهور رؤية ولي العهد التي نقلت المملكة لمراتب متقدمة في كل المجالات فأصبحت السعودية تتصرف بناء على حقيقتها التاريخية والسياسية والإقتصادية ، ببساطة أصبحت حيث يجب أن تكون.
لن تخطئ عين الملاحظ المتبصر بعض التشنج في مراكز الثقل العربية التقليدية -وهو أمر متوقع- والذي يأتي أحيانا على هيئة مقالات هابطة وأحيانا بشكل تصريحات غير متزنة ، هناك من يمنعه الإستعلاء عن رؤية الحقيقة البسيطة وهي أن زعامة المملكة ليست أمرا غير طبيعي ، ماهو غير طبيعي فعلا هو أن لاتكون كذلك.
أعتقد أن لاتعارض بين الواقع الجديد وأهمية الدول العربية الأخرى فالعلاقات بين السعودية ومصر مثلا هي تكاملية ، الساسة والكتاب العرب الذين لايحملون ولاء لقوميات أخرى سيرون تلك الحقيقة أما أذناب إيران وتركيا وأيتام الشيوعية العربية فأكثر ما يمكنهم فعله هو شتم السعوديين بعبارة من قبيل “البدو” وهي صفة تجر الفخر في المخيال العربي ،حيث يريدون هجاء السعودية قاموا بمدحها لعله توفيق آخر كعادة أهل المملكة.
ودًاد ولد اميه
كاتب موريتاني.